مضى أسبوعٌ كامل دون تبني وكلاء إيران في اليمن أي هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، بخلاف الأشهر الماضية التي شهدت تناميًا لهذه الهجمات التي أدت بالفعل إلى إصابة وغرق مجموعة من سفن الشحن، فضلًا عن التعقيدات التي فرضتها على الملاحة الدولية عبر باب المندب، وما نجم عن ذلك من تحويل إجباري لمسار شركات شحن عملاقة بعيدًا عن هذه المنطقة الملتهبة.
إيقاف الحوثيين هجماتهم بشكل مفاجئ جاء عقب القصف الإسرائيلي الذي استهدف منشآت الطاقة في ميناء الحديدة، الذي يستقبل 70 في المئة من الواردات اليمنية، لكنه أيضًا ترافق مع مكاسب كبيرة حققتها الجماعة المدعومة من إيران محليًا، غداة إلغاء قرارات البنك المركزي في عدن ومنحها صلاحيات تسيير رحلات جوية مستقلة من مطار صنعاء إلى الأردن.
من الواضح أن هنالك صفقة سرية راعى الحوثيون فيها مصلحتهم المحلية بالدرجة الأولى. هذه الصفقة المبهمة تتجاوز الإطارين المحلي والإقليمي، وتتداخل فيها أبعاد ومصالح دولية؛ إلا أنها ليست محل وفاق دولي. هنالك بالتأكيد حالة تباين في التعاطي مع المشهد الجديد الذي يُرسم بعناية في محاولة مستعجلة لتجنب تحوّل اليمن إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية.
◄ على ضوء التطورات في جنوب لبنان، وفي حال تفجرت المواجهة الشاملة بين حزب الله وإسرائيل -وهذا أمر وارد- قد تنهار الترتيبات الجارية في اليمن بشكل كامل
استمرار الغارات الجوية الأميركية، رغم توقف الحوثيين عن مهاجمة السفن، قد يكون مؤشرا على وجود حالة انقسام دولية تجاه ترتيبات المرحلة القادمة التي تُطبخ على عجل، وتقف فيها الولايات المتحدة على الضد، أو أنها تعتقد أنها لا تلبي شروط واشنطن التي لمّحت علنا منذ أيام، على لسان مبعوثها الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ، إلى أنها تدرس تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية من الدرجة الأولى على غرار تنظيم القاعدة.
أما امتناع الحوثيين عن الرد على سلسلة الغارات الأميركية التي استهدفت إحداها جزيرة كمران، كبرى الجزر اليمنية في البحر الأحمر، فيفهم على أنه التزام ذاتي من الجماعة بخفض التصعيد للحيلولة دون خسارة المكاسب التي تحققت لها في وقت وجيز، والتركيز حاليا على مضاعفة هذه المكاسب من سلة التنازلات الحكومية، مع الحديث عن اقتراب عقد صفقة لإعادة تصدير النفط اليمني يحصل بموجبها الحوثيون على نصيب الأسد من إيراداته.
ما قد يؤدي إلى انهيار الموقف في اليمن واختلال الهدوء الهش هو الوضع الذي سيؤول إليه التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، بعد القصف على مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، والذي أعلن حزب الله عدم مسؤوليته عنه، بينما تصر إسرائيل على وقوفه وراء الهجوم وتحمله المسؤولية.
وعلى ضوء التطورات في جنوب لبنان، وفي حال تفجرت المواجهة الشاملة بين حزب الله وإسرائيل -وهذا أمر وارد- قد تنهار الترتيبات الجارية في اليمن بشكل كامل، وتعود الأمور إلى نقطة الصفر. في الوضع الراهن من مصلحة الحوثيين عدم اتخاذ أي خطوة تصعيدية لمواصلة الظفر بالمكاسب من خصومهم المحليين دون عناء. إنما المواجهة الشاملة بين حزب الله وإسرائيل ستفرض على الجماعة في اليمن التعامل مع متغيرات جديدة وطارئة تتلاءم مع الأهداف الإستراتيجية لإيران وتؤجل مصالح الوكلاء إلى حين.