عرفت وضاح اليمن الحريري كاتبا وناشطا سياسيا ومدنيا له إسهاماته وتحركاته في قضايا الوطن وما أرتبط به من متعرجات سياسية أدت إلى هذه الحرب الرعناء التي يتجرع الوطن وأبناءه ويلاتها وتزداد يوما عن يوم صعوبة وغموضاً ، قبل أن اعرفه شاعرا ، وان كان يجيد تطويع وتوظيف النص الشعري بكلمات بسيطة ولغة سهلة في خدمة تلك القضايا الحيوية .
قبل أيام تسلمت منه نسخة من مجموعته الرابعة ( العَقْد ) الصادرة عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر بالقاهرة ، تحتوي المجموعة التي جاءت في ١٤٨ صفحة من القطع المتوسط على ستة وعشرين نصا شعريا قسمت الى ثلاثة أقسام تؤرخ لفترة عقد من الزمان يمتد ..... مابين عامي ٢٠٠١ و ٢٠١٠
وهي فترة ممكن نطلق عليها فترة التفاعلات الأولية التي تخلقت معها وبسبب ظروفها ماشهده الوطن من تداعيات في العام التالي ٢٠١١ بقيام ( ثورة الشباب ) وماتلاها من تداعيات وانعكاسات لازالت تجر اذيالها ولا يزال الوطن يئن من وطأتها ...
استطاع وضاح من خلال النصوص العبور بالقاريء من زوايا الهم الخاص والمعاناة اليومية بواسطة البوح إلى فضاءات قضايا الوطن وأهله وما يحيق به آنذاك من مخاطر وتحديات اخذت تتراكم لتشكل نتواءات تصعّب لاحقا الامساك بها أو الانفكاك منها ، وقادت إلى مانعيشه اليوم رغم كثرة التحذيرات ..
لست ناقدا أدبيا ولا امتلك ادوات النقد ، ولكني قاريء محب للأدب بكل اصنافه ومن بينها الشعر بمختلف الوانه ولذلك وددت أن ألقي التحية من خلال العروج على مكنونات هذه المجموعة التي جاءت معبرة عن هم يومي وسجلت في مجملها وقائع لحياة اليمني في فترة ما .
من طريقة الاهداء في القسم الاول من المجموعة التي تعمد الشاعر وضاح ان يضفيها بهذه الصبغة وان يجعل لكل قسم اهداء خاص نستشف مالآت المنحى الإبداعي الذي أراد من خلاله الشاعر الولوج إلى مبتغاه رغم كثير من اوجه الترابط بين اقسام المجموعة.
يقول في اهداء الجزء الاول :
(( الى الاحلام والاغاني السابحة في الفضاء الواسع .
الى الذاكرة والعمل والرذاذ
الى السيدات الكثيرات
وعالم السياسة
واشتات الصور
وذلك الذي أسمه البحر
ووجهي بعد الحادثة ))
مزج عجيب ، لذيذ ، ينم عن خيال واسع ، وذكاء وإحساس لرسم صورة شعرية معبرة تمتزج فيها كثير من الملفات مابين هموم العمل وتطلعات السياسي ، وبصيرة الشاعر ، ووظيفة المهندس العاشق لعمله قرب البحر .
ويرسم لنا وضاح في جداريات القسم الاول من مجموعته حكايات الدخان الباحثة من خلال خيوطها التي ترسلها تترى عن (كسرة خبز جافة ) في زمن كان يعتصر ويختلج في دواخله ليصنع ( مواكب عدل ) لزمن قادم من ثنايا ركام الإحباط والظلم .. مرورا بممارسات اليمني عقب كل ظهيرة واحلام الممكن والمستحيل مع مضغات القات ، قبل يهده التعب كل مساء ، حتى يتشكل هذا اليمني من نتواءات الأرض بفعل الأنظمة المتعاقبة .. ويتساقط مثل حبات السكر ..
ويجرنا وضاح رويدا رويدا عبر دهاليز مضاءة عن خطايا المدينة التي تعد بالمليون في ( زمن البغتة والعربية ) لنصل في نهاية الجزء إلى ( المسافة صفر ) التي وجد الشاعر نفسه فيها مرسوما على الجدار وصار جزءا منه ، بعد أن ارتشف من النبع رشفة لملمت شروخ نفسه المبعثرة بين تراتيل الجوامع ونشرات الاخبار .
وتعمدا تركنا الإبحار في الجزء الثاني من المجموعة المهدى إلى زوجته وولديه خالد ويوسف والذي جاء مكتظا مشبعا في معظم قصائدة بأنا العاشق ونسمات البحر ، لنصل في عجالتنا هذه الى مسك ختام المجموعة وهو الجزء الثالث منها المهدى إلى ( سدرة المنتهى ) ابنة الشاعر التي يضع المستقبل بين يديها ويدعوها للانتصار لهذا المستقبل ، وقد اتخذ منها شاعرنا رمزا للثورة على الواقع الذي كانت تنوء تحته البلد انذاك / لحالة التغيير / كاشارة لمرحلة جديدة في الحياة .. / كجيل قادم ينبغي أن يتخلص من براثن الماضي الذي كبل كل انطلاقة نحو الفجر .. وهاهو برمزية يدعو إلى النهوض لاقتناص الفرصة :
قومي ياروح ورشي فوق الجمار دما
من كأس صاحب القصر المسحور
غني اناشيد العظام للقتلى الذاهبين بهدوء
الى مقابرهم
كما قتلوا دون أن يعرفوا الأسباب
عديهم بأن الموت لاياتي إلا مرة واحدة
في عمر كل منهم
كي لا يفكروا بالعودة بعد تحقيق النصر .
لا اريد في هذه العجالة , كما أن الحيز لايتسع لقراءة مااحتوته المجموعة والغوص خلف ماترمي إليه الكلمات والمقاطع الشعرية التي حلمت هم الوطن وعبر من خلالها وضاح عن سنوات عشر كانت تستعر تحت رمادها أيقونة تغيير قادم من خلال التاكيد والتركيز أكثر من مرة على اوضاع الناس وحالة الجوع والباحثين عن كسرة خبز ، والمتطلعين إلى فجر وضاء ، مع ما لحظناه في أكثر من مقطع وقصيدة في المجموعة من هروب أو قل استغاثة شاعرنا بالبحر الذي يشكل في معناه العام بانه من عادته لايقبل الجيفة ويلفظ كل مايعلق به ، وهو صفة ربما اكتسبها ( وضاحنا ) من خلال ارتباطه المستمر بالبحر من خلال عمله كمهندش منشاءات بحرية ..
لذا فان وضاح اليمن الحريري جدير بالقراءة في مجموعته هذه ( العقد ) للوقوف على ماكان يشهده الوطن في تلك الفترة فقد جاءت نصوص المجموعة تصوير وتسجيل إلى حد بعيد عن اوضاع تلك المرحلة
فضل مبارك
12/8/24