يقول الله تعالى في سياق كلامه عن المتقين في الذكر الحكيم" وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ" بمعنى أن من علامات تقوى الله أن تنفق مما اعطاك الله لمن يسالك مالا اكان محتاجا أو فقيرا أو مريضا، وان تنفق وتتصدق ايضا على المحرومين، الذين حرموا من المال أو الغذاء، أو انقطعت مرتباتهم، أو أصبح راتبهم الشهري لا يفي بأدنى متطلبات الحياة، فهذا محروم من العيش الكريم الذي يحميه من ذل السؤال أو العمل في أعمال تتصادم مع الفطرة والدين تحت ضغط الحاجة،او تخل بالأمن والاستقرار وهكذا، ولنا اليوم أن نرى شعبنا في اليمن ماذا يعاني، وكيف يكابد الحياة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وتخلي الدولة والحكومة عن رعاية مصالح الناس، والحفاظ ولو على الحد المتوسط أو الأدنى من المعيشة والحياة الكريمة، بل كل يوم تزداد الفجوة وتتناسل الأزمات وتتسع رقعة الفقر والمجاعة، والجميع ينظر ويتفرج من الداخل والخارج، وكأن الله لم يأمرنا بإنكار الظلم والفساد وتغييره،او إشاعة قيم التكافل والتعاون في المجتمع ما بين الأغنياء والفقراء.
صحيح السلطة فسدت وتقود موامرة على الشعب والبلد ولا يمكن اصلاحها وتصحيح مسارها بالكلام على وسائل الإعلام أو بالشعارات، لانه من لا يؤمن بالله أو بالقيم التي انزلها الله في كتبه السماوية،لن يؤمن بحقوق البلاد والعباد، وحينما تتخلى السلطة عن الشعب، يفترض أن يبقى الخير موجود في الناس خصوصا الأغنياء ورجال المال، فدورهم يأتي الان في نشر قيم التكافل عبر التبرعات والصدقات، ولا نقول إنه عليهم أن يقوموا بدور الدولة والحكومة، وانما بما امر به الله في كتابة العزيز، عبر الجمعيات الخيرية أو الإنسانية الموثوقة، لإطعام الفقراء والمحتاجين والمحرومين، ومساعدتهم على استمرار الحياة، فالله يقول في محكم التنزيل" الم، ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ" فإذا كنا فعلا نؤمن بالله فلننفق مما أعطانا الله، لان الانفاق شرط من شروط الإيمان والتقوى، كما توضح الآية الكريمة في سورة البقرة.
والله اننا نشعر بالحسرة والخزي لما نرى مشاهير كرة القدم، مثل رونالدو أو ميسي أو ساديوا ماني، أو غيرهم من الفنانين ورجال المال في دول العالم، ينفقون ويتصدقون من أموالهم للفقراء والمساكين والمشردين عبر الجمعيات الخيرية والإنسانية وغيرها، بملايين الدولارات، وفي بلادنا لم نسمع أن غنيا أو رجل مال وأعمال أو مشهورا، تبرع أو تصدق على الفقراء والمساكين، الذين يطحنهم الغلاء والفقر اليوم بسبب السياسات العرجاء والمدمرة للتحالف والسلطات الحاكمة بكل أشكالها.
من العيب أن يبني اللاعب السنغالي ساديو ماني المدارس والجامعات والمساجد ويكفل الفقراء والأيتام في منطقته بالسنغال، بينما قادة وزعماء الأحزاب في بلادنا وكبار المسؤولين،والتجار، لم يبنوا ولو مدرسة أو يحفروا بئر ماء في مناطقهم وقراهم على الاقل، أو يكفلوا فقراء وايتام أو طلاب علم وغيره، وهم يملكون الأموال ولديهم الإمكانيات والنفوذ لفعل ذلك، ولكنهم لا يفعلون الا لمصالحهم الشخصية والذاتية، ومع ذلك يستمر الايمان بهم وبقدراتهم الخارقة من قبل المغفلين للاسف.
اتوقع ان ينط علي واحد مطوع ويقول لا يجوز التشبه بالكفار، ولا يجوز تقليدهم فيما يعملون من إنفاق وصدقات على الفقراء والمساكين، طيب حسنا فليكن، لكن يا صاحبي لماذا لا تقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لماذا لا تكن مثل الصحابي عبدالرحمن بن عوف أحد اغنياء الاسلام، الذي كان ينفق جل قوافله وأمواله على فقراء ومساكين المدينة؟ لماذا لم تكن مثل عثمان بن عفان مثلا ، الذي شيد البناء وحفر الآبار وكفل الأيتام والمحتاجين، في المدينة وغيرها من مدن وحواضر الاسلام، ودعم المجاهدين في سبيل الله بجل امواله، حتى قال عنه الرسول في إحدى المرات بسبب إنفاقه الكبير " ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم" ..لماذا لا يكن حكامنا أو ولات امورنا مثل عمر بن الخطاب، الذي أقتطع من الزكاة والصدقات من أموال بيت المسلمين، إعانات شهرية مجزية للفقراء في المدينة، وللأطفال الرضع حتى يكبرون، وللعاجزين عن العمل،او الذين انتهت خدمتهم مثل المتقاعدين عندنا اليوم، و منهم المسلمين ومنهم غير المسلمين الذين كانوا في يثرب مدينة رسول الله او في مدن وحواضر الخلافة الاخرى؟
حسنا، هل تعلمون أن كثير من دول العالم حتى التي تصفونها اليوم بالكافرة تطبق الكثير مما جاء في دينكم وفي كتابكم الحكيم، وما كان عليه الأمر من تعاليم ومراسيم في دولة رسول الله والخلفاء الراشدين من بعده، بينما انتم تخلفتم عن دينكم وكتابكم ؟
فاين هو الاسلام في حياتنا، هل هو موجود فعلا أم أنه مجرد اسم فقط؟ الرسول صلى يقول" ما نقص مال من صدقة" والله يقول في محكم التنزيل" وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ" اغتنموا وجودكم احياء ايها الأغنياء ورجال المال، وكل الناس المقتدرين في عدن واليمن كلها، وكل اليمنين من التجار ورجال الأعمال في الداخل والخارج، واقترح عليكم مثلا تأسيس بنك خاص بالفقراء، وتجمع فيه التبرعات والصدقات، تحت إدارة محترمة ورشيدة تخاف الله، ويساهم بدوره في إعانة الناس، والحفاظ على مستوى معقول من الحياة الكريمة لهم، مثلما يفعل الأغنياء والمشاهير في مختلف دول العالم، والعمل والمساهمة في ممارسة الضغط لتصحيح مسار الحكومة والدولة، لتجنيب البلاد مخاطر الانهيار الوشيك لاسمح الله.
قال تعالى: انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم" هذه الآية تجعلنا نتسال عن أموال الواجبات الزكوية التي تحصل عليها الحكومة من المواطنين والتجار وغيرهم، وهي تقدر بالمليارات شهريا وسنويا، لماذا لا تتحول الى صدقات تقدم للفقراء والمساكين مثلا؟ اليس مفهوم الزكاة أنها توخذ من الأغنياء والمقدرين وتعود على الفقراء والمساكين وابن السبيل وغيرهم ممن ذكرتهم الاية؟ أو انكم اخذتهم من الآية فقط العاملين عليها، ولهطتم المليارات وتركتهم بقية الآية دون تطبيق، كما تفعل ايضا الكثير من الجمعيات الخيرية التي تحصل على الأموال من هنا وهناك، ثم نرى القائمين على هذه الجمعيات والمنظمات يزدادون غناء وثراء، بينما الفقراء يزدادون فقرا وتتسع رقعة الفقر والمجاعات في البلاد.
واحد صديق أخبرني قبل أيام أنه تواصل مع أصدقاء له وقد أصبحوا الآن مسؤولين كبار في السلطة، يستلمون مرتبات بالعملة الصعبة، وكانوا قبل ذلك يناضلون سويا في الميدان ضد الفقر والحرمان والفساد والاقصاء، وقال إنه سألهم مالا بسبب ضائقة لديه وحاجة يريد أن يقضيها، الا انهم لم يردوا عليه وتجاهلوا طلبه للاسف. واضاف وهو يزفر تنهيدة حارة" اين الاسلام عند من يدعون أنهم إسلاميين أو مسلمين واين الانسانية؟!" فقلت له لا عليك ياصديقي ماداموا مسؤولين في السلطة الفاسدة، أو يحصلون على أموال من دول خارجية، فإنهم لن ينفقون أو يساعدون احد، لان ذلك من مال الشيطان والشيطان لا يتصدق ولن يفعل خيرا البتة.
إن التصحيح في هذا المسار مهم جدا، فلو أننا آمنا بالله، وعملنا بمبدأ التكافل، وانفقنا مما أعطانا الله، فلن نجد فقيرا في البلاد ولا مشردا ..فاليمن بلدة طيبة كما وصفها الله، وبالضرورة أن يكونوا أهلها طيبون ..ولكن ما الذي يحدث ياعباد الله؟
" خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" صدق الله العظيم.
#باسم - فضل-الشعبي#